قُرْص يعالج مرض النوم


قُرْص يعالج مرض النوم
يسعى العلماء للحصول على موافقة المنظِّمين على هذا العلاج السهل والسريع نسبيًّا.
إيمي ماكسمِن



موظفون يفحصون الناس؛ بحثًا عن الإصابات بمرض النوم في قرية نائية في جمهورية الكونغو الديموقراطية.
موظفون يفحصون الناس؛ بحثًا عن الإصابات بمرض النوم في قرية نائية في جمهورية الكونغو الديموقراطية.
Neil Brandvold

لأول مرة ينجح باحثون في علاج المرض العصبي الفتاك، "مرض النوم"، باستخدام أقراص بدلًا من العلاج الأكثر تعقيدًا، المؤلَّف من مزيج من الحقن بالتسريب الوريدي، والأقراص. قدَّم الباحثون نتائج التجارب الإكلينيكية النهائية في السابع عشر من أكتوبر الماضي في "المؤتمر الأوروبي لطب المناطق المدارية والصحة الدولية" في أنتويرب في بلجيكا؛ ما بَعَثَ أملًا في أن يساعد العلاج في القضاء على المرض في غضون عشر سنوات.
نجح العلاج الفموي المسمَّى "فكسينيدازول" في علاج 91% من المرضى الذين يعانون درجة شديدة من مرض النوم، في مقابل شفاء 98% ممن عُولِجوا بالمزيج العلاجي. كما عالج 99% من المرضى في المراحل المبكرة من المرض، الذين كانوا - في الوضع الطبيعي - سيُجْرَى لهم بَزْل قَطَنِيّ؛ لتحديد ما إذا كانوا يحتاجون إلى تلقِّي الحقن بالتسريب، أم لا. إنّ السهولة النسبية للعلاج باستخدام "فكسينيدازول" تعني أنه في حال اعتماده؛ قد ينقذ حياة عدد أكبر من المرضى، مقارنة بالخيار العلاجي المتاح حاليًّا، كما يقول الباحثون الذين يقودون المرحلة الثالثة من التجارب، وهي الخطوة الأخيرة، قبل أن يُعرَض الدواء على المنظِّمِين؛ للحصول على الموافَقة.
يتوطن مرض النوم في أفريقيا، وهو يصيب - بشكل عام - الأشخاص الذين يعانون فقرًا مدقعًا، ويعيشون في مناطق نائية. وكثيرًا ما يظل المرضى حاملين للمرض لأعوام، قبل أن يسعوا للحصول على علاج.
يقول فيليب بوشر، الطبيب المتخصص في مرض النوم بمعهد طب المناطق المدارية في أنتويرب: "لا يتعلق الأمر فقط بالمريض المصاب بمرض النوم، وإنما يتعلق كذلك بعائلته التي تعتني به خلال سنوات معاناته من هذا المرض العصبي شديد الخطورة". ويضيف: "أيًّا كان حجم ما يملكونه من أموال، سينفقونه على العلاج، بدلًا من إنفاقه على أي شيء آخر".
يثني بوشر على الفريق، لإجرائه تجربة إكلينيكية عالية الجودة في ظل ظروف استثنائية في الدول الأكثر تضررًا من المرض، وأبرزها جمهورية الكونغو الديمقراطية، وجمهورية أفريقيا الوسطى. اضطر الباحثون إلى حمل المعدّات إلى عيادات نائية، عبر أراض وعرة، كما تَعَرَّض أحد مواقع الدراسة للسرقة أكثر من مرة. وفي بدايات التجربة، فَرَّ بعض المشاركين؛ هربًا من نزاع مسلح.
ينتشر مرض النوم - المعروف كذلك بِـ"دَاء المثقبيات الأفريقي" - عبر لدغات ذبابة "تسي تسي" الحاملة للطفيليات، الأكثر شيوعًا منها هو النوع Trypanosoma brucei gambiense. يصيب الكائن الطفيلي الجهاز العصبي المركزي، وقد يعاني المرضى شعورًا بالاضطراب، والنعاس خلال النهار، والأرق ليلًا، وأعراضًا نفسية، مثل نوبات الهوس. وإذا تُرِكَ المريض دون علاج؛ فإنه يدخل في غيبوبة تفضي إلى وفاته. وعلى مدى عقود، لم يكن ثمة علاج للمرض سوى عقار واحد، قائم على الزرنيخ، كان يتسبب في وفاة واحد من كل 20 مريضًا.
في عام 2009، طرح الباحثون خيارًا أكثر أمنًا، وهو علاج مكون من مزيج بين نيفورتيموكس، وإفلورنيثين (ويُسمى اختصارًا NECT)، وهو يتألف من أقراص، و14 حقنة تسريب وريدي. ولأول مرة منذ 50 عامًا، تراجعت معدلات الإصابة بمرض النوم إلى أقل من عشرة آلاف حالة جديدة سنويًّا؛ وتبلغ حاليًّا حوالي 2,200 حالة، وفقًا لما أعلنته "منظمة الصحة العالمية"، بيد أن الحاجة إلى الحقن بالتسريب الوريدي، والبزل القَطني اللازم لتحديد المرضى الذين يمكنهم تلقِّي العلاج، ما زالت تمثل عوائق في المناطق التي تعاني نقصًا في المعدّات المعقَّمة، والكهرباء، والأطباء.
ظلت المجموعة التي طورت العلاج NECT - وهي منظمة بحثية غير ربحية، مقرها جنيف بسويسرا، وتُسمى "مبادرة عقاقير للأمراض المهملة" DNDi - تبحث عن علاج أفضل. وفي عام 2007، اكتشفت المجموعة عقار "فكسينيدازول"، وهو مركّب كانت شركة المستحضرات الدوائية "سانوفي" Sanofi - ومقرها باريس - قد عَلَّقَت دراسته. وبموافقة الشركة، بدأت المجموعة في إجراء التجارب الإكلينيكية للدواء. وتشير تقديراتها لتكلفة عملية تطوير العلاج، وصولًا إلى اعتماده، إلى حوالي 50 مليون دولار أمريكي؛ وهو يُعَدّ مبلغًا ضئيلًا، مقارنة بما تنفقه الشركات عادةً على اكتشاف أدوية جديدة.
وستتقدم شركة "سانوفي" قريبًا بطلب؛ للحصول على موافقة على الدواء من "وكالة الأدوية الأوروبية"، التي سيسهِّل اعتمادها للدواء موافقةَ المنظِّمِين في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وتقول ناتالي ستروب فورجرافت، المديرة الطبية لمجموعة DNDi، إن الدواء قد يحصل على الموافقة بحلول نهاية العام (2018).
والآن، يعمل الباحثون بمجموعة DNDi وزملاؤهم على علاج فموي آخر، يأملون أن يعالج المرض على نحو أسرع، وأنْ يمكن الاعتماد عليه بقَدْر أكبر.

تعليقات