الله تعالى (ضرورة عقلية)


الله تعالى
(ضرورة عقلية)

(وان من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم).
الاعتراف بوجود الله عز وجل من اعظم الاسس والقواعد التي يرتكز عليها الاسلام الحنيف , فلن يكون عمل من اعماله أو شعار من شعائر الا هشيما تذروه الرياح مالم يقترن بهذا المبدأ السامي ويمتزج به امتزاج الروح بالبدن .
ان الاعتراف بوجود الله تعالى يحدث طمأنينة في النفس وراحة للضمير , حيث يعتبر المؤمن ان لزقه كافلا ولامره مدبرا وللشر الذي وقع عليه صارفا وللخير الذي ذهب عنه مجددا ولذنبه غافرا ولعيبه ساترا ولعلمه شاكرا . فلن يخاف من الاقتار والشرور وطوارق الليل والنهار ما دام هناك رب حكيم عليم يعلم بحاله ويدبر شأنه ويستجيب له اذا دعاه ويمكنه رفع ما الم به . ولن تذهب اعماله الطيبة ادراج الرياح بعد ان جعل لها في دين الاسلام المنزلة الكبرى فليس الثواب مقتصرا على الواجبات بل يعدوه الى كثير من الامور الاجتماعية الحيوية كسعي المؤمن في قضاء حاجة اخيه المؤمن وفي سبيل الصالح العام وفي سبيل الترفيه عن العيال وكسعي المرأة لاسعاد زوجها واولادها وتنشأتهم اولادا صالحين .وامثال ذلك كثير في الاسلام .
وقد استند الاسلام في الاستدلال على وجود الله تعالى وتوحيده على جملة من البديهيات العقلية التي يدركها الانسان لاول وهلة ويدركها في كل ناحية من نواحي حياته لانها من الامور الجبلية الفطرية التي لا تحتاج الى أي فكر ونظر فقد قال عز من قائل : (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون * أم خلقوا السماوات والارض بل لا يوقنون) .
والاستدلال بهذه الاية يدور حول احتياج الممكن وهو الذي يستوي فيه طرفا احتمال وجوده وعدمه في نظر العقل الى علة ترجح وجوده ليوجد هذا الممكن , ومع عدم ترجح طرف وجوده بعلة موجبة لذلك فلا يمكن ان يوجد , لان احتمال الوجود والعدم ما دام متساويا في نظر العقل فلا بد من مرجح لاحد الطرفين ليحكم العقل به .
وهذه القاعدة وان كانت دقيقة التفاصيل صعبه الفهم ولكنها مع ذلك بديهية اولية يدركها حتى من لا يعرف القراءة والكتابة , فكيف يشتري الفقير دارا بدون مال لديه ام كيف يداوي الطبيب مريضا بدون دواء ام كيف يرتوي العطشان بدون الماء , اذن فلا بد للفقير من المال لشراء الدار ولا بد للطبيب من الدواء لعلاج المريض ولابد للعطشان من الماء ليرتوي ولابد للممكن من علة ليوجد ولا يمكن ان يوجد الممكن لانه محتمل الوقوع فقط لان مجرد الاحتمال ليس له القوة الكافية لدفع الممكن من العدم الى الوجود , كما ان مجرد احتمال ان يشتري الفقير دارا بدون ان يكون لديه النقد الكافي ومجرد احتمال علاج المريض بدون ان يستعمل الدواء لايمكن ان يكون موجبا لشراء الدار وشفاء المريض .
والاستدلال المستند الى البديهية في الاية الكريمة يمكن ان يجعل بهذه الصورة : الممكن اما ان يخلق بدون واسطة شيء ان يدون علة توجب وجوده واما ان يخلق بواسطة خالق قدير . وحيث انتفى القسم الاول منهما بقوله تعالى على سبيل الاستفهام الانكاري ( ام خلقوا من غير شيء ) وهو ما سبق ان ذكرناه من عدم امكان وجود الممكن المتساوي طرفي الوجود والعدم بدون علة مرجحة لطرف وجوده تعين القسم الثاني وهو وجوب وجود الممكن بواسطة خالق قدير .
وتوخيا لاستيعاب جميع الاحتمالات لاختبار الصواب منها نقول : ان هذا الخالق اما ان يكون من بعض الممكنات او يكون كل الممكنات او يكون شيئا خارجا عنها مسيطرا عليها . وندفع الاحتمالين الاولين ببديهة ان الممكن يستحيل ان يكون خالقا لنفسه كله او بعضه او يكون بعضه خالقا له لانه اما ان يخلق نفسه حال عدمه وقبل ان يكون شيئا له وجود خارجي فهو باطل لضرورة عدم ايجاد العدوم للموجود ولان المعدوم هو في الحقيقة لا شيء فكيف يوجد شيئا من الاشياء . واما ان يخلق الممكن نفسه حال وجوده وهو باطل ايضا لاننا بعد فرضنا لوجوده فلا حاجة تبقى له لخلق ووجود آخر وهو ما يسمى باصطلاح الفلاسفة بتحصيل الحاصل وهو محال . وهذا ما اشارت اليه الآية الكريمة محيلة دليله الى الفطرة العقلية ( ام هم الخالقون ام خلقوا السماوات والارض )فتعين اذن القسم الثالث من الاحتمالات وهو ان يكون الخالق خارجا عن الممكنات مسيطرا عليها سيطرة ايجاد وخلق .
ومن الطرق المهمة التي سلكها الاسلام في تنبيه العقل الى وجوده تعالى , التفكر في خلق الله واجالة النظر في هذا الكون العجيب ليظهر امام الناظر ما احتواه من قوانين دقيقة ونظم رتبية وظواهر مدهشة . وكيف انها لا بد وان تكون صادرة عن قوة قادرة عالمة مدبرة . فقال عز من قائل (ان في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما انزل الله من السماء من ماء فأحيا به الارض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والارض لايات لقوم يعقلون) والفت الاسلام نظر الانسان ايضا الى دخيلة نفسه واعضاء جسمه وما جعل الله فيهما من قوى فعالة وطاقات هائلة فقال عز وعلا (والله اخرجكم من بطون امهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والابصار والافئدة) وقال تعالى (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا) وقال تعالى (الله الذي خلقكم من ضعيف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة).
ونبه الاسلام ايضاً في القرآن على نعم الله وما خص الانسان به من اسباب المعيشة المريحة والحياة المطمئنة ونبه على ما في ارتفاع هذه النعم الجمة على البشرية من سوء وضرر فقال تعالى عز شأنه (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ(*)قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ) .
ولاجل هذه البداهة التي يتجلى بها البرهان الالهي صار من الواجب العقلي على كل فرد ان يفكر ويجيل النظر ويطيل التأمل في عجائب ما خلق الله وليستضيء بنوره (قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ). وكل من فكر وتدبر فلا بد ان يصل الى النتيجة ولا بد ان يهديه الله الى سبيلهويرشده الى رضاه ومن امتنع عن التفكير كان عاصيا لعقله متمردا على ضميره خارجا عن وجدانه وجبلته .
وكان حديث الاسلام عن الله تعالى وعن صفاته الذي جاء في القرآن الكرين وعلى لسان الرسول صلى الله عليه وآله والائمة المعصومين عليهم السلام , أساساً لقواعد فلسفية دقيقة وبحوث عميقة , مما أثار الكثير من العجب والاستغراب في أنيبزغ شخص من بين بدو العرب في الصحراء العربية القاحلة ليستدل بمثل هذه الادلة المنطقية الدقيقة على خالق الكون ومدبره , التي مهما ترقى الانسان في تفكيره واتسع نظره في هذا الكون فلن يصل الا اليها او ما يدور في فلكها .
وقد اعترف علماء البشر ومفكروهم بوجود المبدأ الاعلى وأنه واحد لا شريك له , وذلك كنتيجة حتمية لنظرهم في عجائب هذا الكون وفي دقيق قوانينه وعظم خلقته سواء كان نظرهم في الكيمياء او الفيزياء او الجغرافيا او الطب او التاريخ او علم طبقات الارض أو علم النفس او علم الاجتماع او الفلسفة او غيرها من العلوم , لان في كل شيء أثرا لصانع حكيم ويداً مدبرة , وقد قال سيدنا ومولانا امير المؤمنين عليه افضل الصلاة والسلام حين سئل عن اثبات الصانع : البعرة تدل على البعير والروثة تدل على الحمير وآثار القدم تدل على المسير , فهيكل علوي بهذه اللطافة ومركز سفلي بهذه الكثافة لا يدلان على اللطيف الخبير ؟





تعليقات