تقنية "كريسبر" تحوِّل الخلايا إلى أجهزة لتسجيل البيانات

تقنية "كريسبر" تحوِّل الخلايا إلى أجهزة لتسجيل البيانات

تطويع أداة تحرير الجينات "كريسبر-كاس9"، للحصول على صورة مُفصَّلة لأكثر العمليات جوهرية في الحياة.
هايدي ليدفورد

تحويل جزيئات حلقية من الحمض النووي، تُسمَّى البلازميدات، إلى أجهزة لتسجيل البيانات الخلوية.
تحويل جزيئات حلقية من الحمض النووي، تُسمَّى البلازميدات، إلى أجهزة لتسجيل البيانات الخلوية.
Gopal Murti/SPL
سَخَّرَ الباحثون الأداة الشهيرة لتحرير الجينات، "كريسبر-كاس9"، لتحويل الحمض النووي إلى جهاز تسجيل دقيق. يمكن للجهاز أن يوثِّق مدة الأحداث وترتيبها داخل الخلايا، بل ويمكنه أيضًا محو المعلومات، وإعادة تسجيلها في الجينوم نفسه.
ينضم هذا العمل - الذي نُشِر في دورية "ساينس" Science في الخامس عشر من فبراير1 - إلى مجموعة من المسجِّلات الخلوية الأخرى المبنية على تقنية كريسبر، التي خرجت من المعامل البحثية خلال السنوات القليلة الماضية. وتنعقد الآمال في أن تتمكن هذه المسجِّلات من الاحتفاظ بسجل للتغيّرات التي تحدث في التعبير الجيني، أو اقتفاء أثر السلالة العائلية للخلية، أو رصد التغيّرات في الظروف البيئية.
يقول يان فيليب يونكر، المتخصص في علم أنظمة الأحياء بمركز ماكس دلبروك للطب الجزيئي في برلين: "من الواضح أن الجينوم لديه قدرة تسجيلية هائلة"، ويضيف قائلًا: "مع توفُّر تقنية كريسبر، أصبح لدينا أخيرًا الأدوات اللازمة لاستغلال هذه القدرة".
يمثّل هذا التسجيل للبيانات إحدى طرق كثيرة، يجرّب من خلالها الباحثون استخدام آلية كريسبر-كاس9 لابتكار أنواع جديدة من الأدوات الجزيئية. فتصف ورقتان بحثيتان أخريان - نُشِرتا أيضًا في دورية "ساينس"Science في الخامس عشر من فبراير - كيف يمكن استخدام كريسبر للكشف عن الفيروسات المسببة للأمراض3،2.
استُلهِمَت المُسجِّلات الخلوية من مُسجِّل بيانات رحلات الطيران، الذي يوجد في الكثير من الطائرات، حسب قول عالِم الأحياء الكيميائية ديفيد ليو، الذي يعمل في معهد برود، التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وجامعة هارفارد في كامبريدج بولاية ماساتشوستس. ويضيف ليو: "مثلما يسجِّل مُسجِّل بيانات رحلات الطيران الوقائع التي تحدث للطائرة، يمكن استخدام مُسجِّلات بيانات الخلية لرصد المحفزات التي تتعرض لها الخلية، أو التغيرات في تأشير الخلايا".
يَستخدِم الباحثون عادة تقنية "كريسبر-كاس9" لتعديل تسلسلات الحمض النووي بتوجيه إنزيم كاس9 لقطع الحمض النووي عند موضع يُمْلِيه تسلسل قطعة قصيرة من الحمض النووي الريبي، يُسمَّى الحمض النووي الريبي الدليل. وفي كثير من الكائنات، تصلح الخلية بعد ذلك هذه القُطُوع في الحمض النووي بطرق يمكن أن تُغيِّر التسلسل الأصلي للحمض النووي.
التقسيم، والتحليل
استغل ليو وزميلته الكيميائية ويكسين تانج، التي تعمل أيضًا في معهد برود، مزية قدرة الإنزيم كاس9 على تقطيع الحمض النووي، لتصميم مُسجِّل خلويّ باستخدام جزيئات حلقية من الحمض النووي، تُسمَّى البلازميدات. تتناسخ البلازميدات داخل الخلايا البكتيرية، مُنتِجَةً مئات النسخ في الخلية الواحدة أحيانًا.
غيَّر ليو وتانج ثلاثة أحرف في الحمض النووي في إحدى هذه البلازميدات، بحيث جعلاها تحتوي على تَسَلْسُل قابل للاستهداف من الحمض النووي الريبي الدليل. كما عدّلاِ إحدى البكتيريا لتعبّر عن إنزيم كاس9 فقط في حال وجود مضاد حيوي معين، وأطلقا على النظام كله اسم "كاميرا1" CAMERA1.
تفتقر البكتيريا إلى بعض آليات إصلاح الحمض النووي التي تستخدمها خلايا الثدييات لإصلاح الضرر الذي يُحدِثه إنزيم كاس9، بل ويتحطم البلازميد عندما يستهدفه إنزيم كاس9، ثم يتناسخ بلازميد آخر، ليحل محل البلازميد المفقود.
وَضَعَ ليو وتانج كلًّا من البلازميد المُعدَّل، والبلازميد العادي داخل الخلايا، وقاسا المعدل النسبي بين الاثنين؛ ووجدا أن نسبة البلازميد المُعدَّل انخفضت في الخلايا التي عُولِجت بالمضاد الحيوي، لأن الخلايا كانت قد بدأت في تحطيم البلازميدات المُعدَّلة.
كانت النتيجة مُسجِّلًا يتمتع بدقة غير عادية؛ إذ استطاع ليو وتانج استعادة المعلومات من عدد قليل من الخلايا البكتيرية، يبلغ عشر خلايا فقط. وعَكَسَ مقدار التغيير كميةَ المضاد الحيوي الموجود، أو زمن التعرض له. ابتكر ليو وتانج أيضًا طرقًا لإعادة ضبط نسبة البلازميدات المُعدَّلة إلى البلازميدات غير المُعدَّلة، إذ مسحا التسجيل الأول، وجهزا الخلية لتوثيق الحدث التالي باستخدام المجموعة نفسها من البلازميدات.
انتقل الباحثان بعد ذلك إلى صنع المزيد من المُسجِّلات. ويعتمد أحدها، ويُسمَّى "كاميرا2" CAMERA2، علىأنظمة مُعدَّلة من "كريسبر"، تُعرَف باسم "مُحرِّرات القواعد"، طوّرها مختبر ليو4 في عام 2016، وهي مُحرِّرات يمكنها أن تعدِّل حروفًا منفردة من الحمض النووي في الجينوم، دون الاعتماد على آليات الخلية لإصلاح الحمض النووي. استخدم ليو وتانج "كاميرا2" لتسجيل عدد يصل إلى أربعة مُحفِّزات مختلفة في الخلايا البكتيرية، بما فيها التعرض للضوء والفيروسات، وترتيب حدوث هذه المُحفِّزات.
عَدَّل الباحثان أيضًا المُسجِّل "كاميرا2"، لكي يعمل في خلايا الثدييات، بحيث يسجِّل مباشرة التغيّرات التي تحدث في الجينوم، بدلًا من البلازميدات. وتأمل تانج وزملاؤها في استخدام هذا النظام، للإجابة على أسئلة تتعلق بالكيفية التي تكتسب بها الخلايا هويّات بعينها.
هذا، وستنضم مُسجِّلات "كاميرا" إلى مجموعة من المُسجِّلات الخلوية الأخرى قيد التطوير، حيث عكف عالِم الأحياء التخليقية هاريس وانج، من المركز الطبي بجامعة كولومبيا في نيويورك سيتي، على تطوير أنظمة يأمل في أن يَستخدِمها لدراسة الميكروبات الموجودة في الأمعاء5.
ويعمل مختبر يونكر على إنشاء مُسجِّل؛ لتعقب المسارات التطورية للخلايا الفردية في السمك المخطَّط. فكَّر يونكر في هذه الطريقة لأول مرة قبل ما يزيد قليلًا على عامين، حسب قوله. ويضيف: "اعتقدتُ أنها فكرة غريبة راودتني وحدي، لكنني فوجئت بأن الجميع ينفِّذونها".

References

  1. Tang, W. & Liu, D. R. Science http://dx.doi.org/10.1126/science.aap8992 (2018). | article
  2. Chen, J. S. et alScience http://dx.doi.org/10.1126/science.aar6245 (2018). | article
  3. Gootenberg, J. S. et alScience http://dx.doi.org/10.1126/science.aaq0179 (2018). | article
  4. Komor, A. C. et alNature533, 420-424 (2016). | article
  5. Sheth, R. U., Yim, S. S., Wu, F. L. & Wang, H. H. Sciencehttp://dx.doi.org/10.1126/science.aao0958 (2017). | article

تعليقات