شبكة عنكبوتية متشابكة بإمكان فيزياء الكَمّ أن تجعل وسائل الاتصال فائقة الأمان بالفعل، لكنّ استغلال بعض خصائصها الأكثر غرابة ربما يرتقي بتلك الشبكات.

ستيفاني وينر تعمل ضمن فريق يحاول بناء شبكة كَمِّية حقيقية عبر القارة الأوروبية.
قبل أن تصبح ستيفاني وينر عالمة في الفيزياء النظرية، كانت من قراصنة الإنترنت. ومثل معظم الأشخاص في ذلك المجال، عَلَّمت وينر نفسها بنفسها في سن مبكرة. ففي سن الخامسة عشرة أنفقت مدخراتها لشراء أول "مودم" لها يعمل بطلب رقم المشترك للاتصال بالإنترنت، كي تستخدمه في منزل أبويها في فورتسبورج بألمانيا. وببلوغها سن العشرين كانت قد اكتسبت سمعة كافية حول مهاراتها؛ مكّنتها من الحصول على وظيفة في أمستردام لدى شركة هولندية لتقديم خدمات الإنترنت، أنشأها رفقاؤها من القراصنة.
وبعد بضع سنوات، وفيما كانت تعمل أخصائية في أمن الشبكات، التحقت وينر بالجامعة. وهناك تعلمت أن ميكانيكا الكَمّ تقدم شيئًا تفتقر إليه بشدة الشبكات الموجودة اليوم، ألا وهو إمكانية أن تصبح هناك وسائل اتصال غير قابلة للقرصنة. وهي الآن بصدد إدارة دفة شغفها القديم نحو طموح جديد؛ ألا وهو إعادة اختراع الإنترنت.
إن قدرة الجسيمات الكمية على البقاء في حالات غير مُعرَّفة - مثل "قطة شرودنجر"، التي يضرب بها المثل، والتي هي حية وميتة في الوقت نفسه - ظلت تُستخدم لسنوات، لتعزيز مسألة تشفير البيانات. وترى وينر، التي تعمل حاليًا بجامعة دلفت للتكنولوجيا في هولندا، وباحثون آخرون أنّ بإمكانهم استخدام ميكانيكا الكَمّ للقيام بأكثر من ذلك بكثير، عن طريق الاستفادة من قدرة الطبيعة المذهلة على ربط، أو تشبيك، الأجسام المتباعدة، ونقل البيانات فيما بينها بطريقة آنية. في البداية، بدا كما لو أن الموضوع برمته مسألة نظرية للغاية، حسبما تقول وينر. أما الآن، فقد "صار لدى المرء أمل في تحقيقه".
يقول المؤيدون إن شبكة الإنترنت الكَمِّية تلك قد تفتح آفاق عالَم كامل من التطبيقات، غير ممكن إجراؤها باستخدام أساليب الاتصال التقليدية، بما في ذلك ربط الحواسيب الكمية ببعضها البعض، وبناء تليسكوبات شديدة الدقة، باستخدام مراصد تفصل بينها مسافات شاسعة، بل وحتى التوصل إلى سبل جديدة لرصد موجات الجاذبية. ويرى البعض أنها ستحل يومًا ما محل شبكة الإنترنت بشكلها الحالي. من جانبه، يقول أنطون زيلينجر، عالِم الفيزياء بجامعة فيينا، الذي قاد واحدة من أولى التجارب التي أُجريت على النقل الآني الكَمِّي1 في عام 1997: "إنني أتفق مع الرأي القائل إنّ غالبية الاتصالات - إن لم تكن كلها - ستكون كَمِّية في المستقبل".
وقد بدأ بالفعل فريق في جامعة دلفت ببناء أول شبكة كمية حقيقية، سوف تربط بين أربع مدن هولندية. وربما يكون ذلك المشروع المقرر الانتهاء منه في عام 2020 هو النسخة الكمية من شبكة "أربانِت" ARPANET، وهي شبكة اتصالات، قام بإنشائها الجيش الأمريكي في أواخر ستينيات القرن الماضي، وقد مهدت الطريق نحو ظهور شبكة الإنترنت الموجودة اليوم.
كذلك تتولى وينر - التي تشارك في هذا العمل - مهمة تنسيق مشروع أوروبي أكبر، يُدعى "تحالف الإنترنت الكَمِّي" Quantum Internet Alliance، يهدف إلى توسيع نطاق التجربة الهولندية للمستوى القاري. وفي إطار هذه العملية، تسعى وينر وآخرون إلى الجمع بين علماء الحاسب الآلي، ومهندسين وخبراء في أمن الشبكات؛ للمساعدة على تصميم شبكة الإنترنت الكمية المستقبلية.
"ربما تكون أمامنا فرصة لإنشاء كل شيء بشكل سليم من البداية".
ولا تزال هناك حاجة إلى حسم الكثير من التفاصيل التقنية. ويُحَذِّر بعض الباحثين من أنه لا زال الوقت مبكر جدًّا للجزم تحديدًا بمدى ما يمكن أن تقدمه شبكة الإنترنت الكمية. ولكن بالتفكير في النواحي الأمنية مبكرًا، تقول وينر إنها تأمل في تجنب نقاط الضعف التي ورثتها شبكة الإنترنت الحالية من "أربانِت". وتضيف: "ربما تكون أمامنا فرصة لإنشاء كل شيء بشكل سليم من البداية".
مفاتيح كَمِّية             
يعود أوّل المقترحات لوسائل اتصال كمي إلى قرابة سبعينيات القرن الماضي، حينما رأى ستيفن وايزنر - الذي كان آنذاك فيزيائيًّا شابًّا بجامعة كولومبيا في مدينة نيويورك - إمكانيات واعدة في واحد من أبسط مبادئ ميكانيكا الكم، ألا وهو أنه يتعذر قياس خاصية نظام معين، من دون تغييرها.
اقترح وايزنر أنه يمكن تشفير المعلومات في الحالات التي تكون عليها الأجسام مثل الذرات المعزولة، التي يمكن أن تشير حركاتها المغزلية إما إلى أعلى، أو إلى أسفل - مثل رقمي (الصفر)، و(الواحد) المتعلقين بالبتَّات التقليدية – ولكنها يمكنها أيضًا أن تكون في كلتا الحالتين في آن واحد. والآن، يُطلَق على وحدات المعلومات الكمية تلك عادة اسم بتَّات أو كيوبتّات كمية. وأشار وايزنر إلى أنه بسبب عدم القدرة على قياس خواص الكيوبت، من دون تغيير حالته، من المستحيل أيضًا عمل نُسَخ مطابقة، أو "مستنسخات" منه2؛ وإلا فإنه سيكون بمقدور شخص ما استخلاص معلومات عن حالة الكيوبت الأصلي، من دون التأثير عليه، وذلك ببساطة عن طريق قياس مُستنسَخه. وصار ذلك الحظر فيما بعد معروفًا باسم "عدم الاستنساخ الكمي"، ويتضح أنه كان مفيدًا لمسألة الأمان، إذ لا يمكن للقراصنة استخلاص المعلومات الكمية من دون ترك أثر.  
في عام 1984، استرشد تشارلز بينيت - وهو عالِم في مجال الحاسب الآلي لدى شركة «آي. بي. إم» IBM في يوركتاون هايتس بنيويورك - ومعاونه جايلز براسارد بجامعة مونتريال في كندا، بعمل وايزنر في ابتكار مخطط عبقري ، يمكن من خلاله أن يقوم مستخدِمان بتوليد مفتاح تشفير غير قابل للاختراق، لا يعرفه سواهما3. يعتمد المخطط على حقيقة أن الضوء يمكن استقطابه، حتى يتسنى للموجات الكهرومغناطيسية أن تتذبذب، إما على مستوى أفقي، أو على مستوى رأسي. يُحوِّل واحد من المستخدمَين تسلسلًا عشوائيًّا مكونًا من الرقمين (واحد)، و(صفر) مكررين، إلى مفتاح كمي مُشفَّر في حالتي الاستقطاب المذكورتين، ويرسله مباشرة إلى شخص آخر. ومن خلال سلسلة من الخطوات، يقوم المُستقبِل بقياس المفتاح، والتأكد من أن عملية النقل لم تتعرض للمقاطعة بفعل قياسات شخص متلصص. ومن واقع ثقة الطرفين في أمان المفتاح، يمكنهما حينئذ تعمية أيّ رسالة مكونة من بتَّات تقليدية - صورة مثلًا - وإرسالها، كما يفعلان تمامًا مع أيّ رسالة أخرى مشفرة عبر شبكة الإنترنت التقليدية، أو أيّ قناة اتصال أخرى.
وفي عام 1989، قاد بينيت الفريق الذي أثبت لأول هذه "التعمية الكمية" (وتُسمى اختصارًا QKD) تجريبيًّا4. واليوم، أصبحت الأجهزة التي تعمل بتقنية التعمية الكمية، وتستخدم مخططات مشابهة، متوفرة تجاريًّا، وتُباع عادة للمؤسسات المالية، أو الحكومية. فعلى سبيل المثال، أنشأت شركة «آي. دي. كوانتيك» ID Quantique - وهي شركة تم تأسيسها في عام 2001 في جنيف بسويسرا - رابطًا كميًّا ظل يوفر الحماية لنتائج الانتخابات السويسرية لأكثر من عشر سنوات.
في العام الماضي، نجح القمر الصناعي الصيني "ميسيوس" Micius - وهو من بنات أفكار عالِم الفيزياء بان جيانواي بجامعة العلوم والتكنولوجيا الصينية في مدينة خفي - في تنفيذ بعض أكثر العروض إبهارًا لذلك النهج. فباستخدام إصدار مغاير لبروتوكول بينيت وبراسارد، أنشأت المركبة الفضائية مفتاحين، ثم أرسلت أحدهما إلى محطة أرضية في بكين، والآخر إلى فيينا، وقت مرورها فوق المدينتين، ثم قام جهاز حاسوب على متن المركبة بدمج المفتاحين السريين؛ لخلق مفتاح جديد، أرسله إلى الأرض بالطريقة التقليدية. كان بإمكان فريقي العمل في بكين وفيينا – المزود كل منهما بمفاتيحهما الخاصة - فك تعمية هذا المفتاح المدمج، عن طريق حذف مفتاحهم الخاص في الأساس، ومن ثم معرفة المفتاح السري الخاص بالطرف الآخر. وباستخدام كلا المفتاحين يمكن لأحد الفريقين فك تشفير رسالة قام الآخر بتشفيرها بمفتاحه. وفي سبتمبر الماضي، استخدم بان وزيلينجر هذا النهج؛ لإعداد أول محادثة فيديو عابرة للقارات، يتم تأمينها جزئيًّا بمفتاح كَمِّي5.
يمكن للأقمار الصناعية، مثل "ميسيوس"، المساعدة على التصدي لأحد التحديات الرئيسة في عملية تأمين أساليب الاتصال الكمية الموجودة اليوم؛ ألا وهو بُعْد المسافة. فالفوتونات المطلوبة لإنشاء مفتاح تشفير يمكن أن يمتصها الغلاف الجوي، أو - في حالة الشبكات الأرضية - ليف ضوئي، ما يجعل النقل الكمي غير عملي بعد تخطِّي بضع عشرات من الكيلومترات.
جزء من تجربة أُجريت في جامعة دلفت للتكنولوجيا في هولندا، تبحث في النظم المبنية على الماس، كعُقَد لشبكة الإنترنت الكمية.
جزء من تجربة أُجريت في جامعة دلفت للتكنولوجيا في هولندا، تبحث في النظم المبنية على الماس، كعُقَد لشبكة الإنترنت الكمية.
MARCEL WOGRAM FOR NATURE
ولأنّ الحالات الكمية لا يمكن نسخها، فليس من الخيارات المطروحة إرسال نسخ متعددة من كيوبت واحد، على أمل أن تصل نسخة واحدة منها على الأقل. لذا، ففي الوقت الراهن يتطلب إنشاء روابط بعيدة المسافة بتقنية التعمية الكمية بناء "عُقد موثوقة" تقوم بدور الوسطاء؛ فإذا ما حاول شخص اختراق عُقدة موثوقة، تتعامل مع المفاتيح في صورتيها الكمية والتقليدية، سيكون بإمكانه نسخ المفاتيح، دون أن يتم كشفه؛ وهكذا، فبالطبع سوف يكون ذلك ممكنًا أيضًا للحكومة أو الشركة التي تدير العُقدة. وينطبق ذلك على كل من العُقد الموثوقة على الأرض، وعلى القمر الصناعي "ميسيوس". يقول بان: "القمر الصناعي يعرف كل شيء". ولكن الأقمار الصناعية العابرة يمكنها خفض عدد العُقد الموثوقة المطلوبة، للربط بين النقاط المتباعدة.
يقول بان إن العُقد الموثوقة تُعَد بالفعل خطوة إلى الأمام بالنسبة إلى بعض التطبيقات، إذ تقلل عدد النقاط التي تكون عندها الشبكة عرضة للهجوم. كما قاد بان عملية إنشاء البنية الأساسية الموسعة لشبكة الاتصال الكمية بين بكين وشنجهاي، التي تم تدشينها في سبتمبر الماضي، حيث تربط بين أربع مدن من خلال 32 عُقدة موثوقة باستخدام ألياف ضوئية بطول أكثر من ألفي كيلومتر، ويجري حاليًّا اختبارها للاتصالات المصرفية والتجارية، مثل الربط بين مراكز البيانات الخاصة بعملاق التسوق عبر الإنترنت، شركة «علي بابا» Alibaba، حسبما يقول بان.
اتصالات كَمِّية
تُعتبَر الشبكات التي تتضمن عُقدًا موثوقة شبكات كمية جزئيًّا فقط؛ إذ تقوم فيزياء الكَمّ بدورها فقط فيما يخص الطريقة التي تنشئ بها العُقد مفتاح التشفير، أما ما يعقب ذلك من تشفير ونقل للبيانات، فهو برمته يجري حسب النمط التقليدي. فالشبكة الكمية الحقيقية ستكون قادرة على تسخير التشابك والنقل الآني؛ لإرسال المعلومات الكمية عبر مسافات بعيدة، دون الحاجة إلى عُقد موثوقة ضعيفة.
ومن بين الدوافع الرئيسة لبناء مثل هذه الشبكات؛ تمكين الحواسيب الكمية من التحدث إلى بعضها البعض، سواء بين الدول، أم عبر غرفة واحدة. وربما يكون عدد الكيوبتات التي يمكن ضغطها في أي نظام حوسبي محدودًا، ولذا، فإن توصيل النظم ببعضها يمكن أن يساعد علماء الفيزياء على توسيع نطاق تلك النظم. و"عند تلك النقطة، مِن الإنصاف القول إنك في الغالب ستكون قادرًا على إنشاء حاسوب كمي، ربما ببضع مئات من الكيوبتات"، كما يقول ميخائيل لوكين، وهو فيزيائي بجامعة هارفارد في كامبردج بماساتشوستس. ويضيف: "أمّا فيما هو أبعد من ذلك، فتكون الوسيلة الوحيدة للقيام بهذا العمل هي استخدام هذا النهج المعياري، الذي يتضمن اتصالات كمية".
وعلى نطاق أوسع، يتصور الباحثون سحابة حوسبة كمية مزودة ببضعة أجهزة شديدة التعقيد، يمكن الوصول إليها من معظم المختبرات الجامعية، عن طريق شبكة إنترنت كمية. يقول رونالد هانسون، وهو عالِم في الفيزياء التجريبية بجامعة دلفت: "الإضافة المثيرة هي أن تلك الحوسبة السحابية الكمية تتميز أيضًا بالأمان؛ فالأشخاص القائمون على الخادم لا يمكنهم معرفة أي نوع من البرامج تقوم بتشغيله، ولا البيانات التي بحوزتك".
وقد أتى الباحثون بمجموعة هائلة من المقترحات لتطبيقات لشبكة الإنترنت هذه – على سبيل المثال؛ المزادات، والانتخابات، والمفاوضات بشأن العقود، والتجارة السريعة - يمكنها استغلال الظواهر الكمية لتصبح أسرع أو أكثر أمانًا من مثيلاتها التقليدية.
على أن التأثير الأكبر لشبكة الإنترنت الكمية يمكن أن يقع على العلوم ذاتها. فتزامن الساعات باستخدام التشابك يمكن أن يحسِّن من دقة شبكات الملاحة الشبيهة بنظم تحديد المواقع العالمية، من أمتار إلى مليمترات، حسب قول بعض الباحثين. وقد اقترح لوكين وغيره استخدام التشابك لدمج ساعات ذرية متباعدة في ساعة واحدة بدقة متطورة للغاية، يمكنها - حسب قوله - أن تقود إلى وسائل جديدة؛ لرصد موجات الجاذبية مثلًا. أما في علم الفلك، فيمكن للشبكات الكمية الربط بين التليسكوبات البصرية المتباعدة عبر آلاف الكيلومترات، من أجل منحها درجة من الدقة تماثل دقة طبق فضائي واحد يغطي المسافة نفسها. وتُطبَّق هذه العملية - التي يُطلق عليها "قياس التداخل بخط قاعدي طويل جدًّا" - بشكل روتيني في علم الفلك الراديوي، لكن العمل في ترددات ضوئية يتطلب دقة زمنية بعيدة المنال في الوقت الراهن.
الأمن الشبحي
في العقد الماضي، أو نحو ذلك، أظهرت تجارب ابتكرها كريستوفر مونرو6 - وهو فيزيائي بجامعة ميريلاند في كوليدج بارك - وآخرون بعض المبادئ الأساسية المطلوبة لبناء شبكة كمية بحق، مثل النقل الآني لمعلومات مشفرة في كيوبتات من مكان إلى آخر (انظر: "إنشاء شبكة إنترنت كمية").
كبر الصورة
NIK SPENCER/NATURE
ولمعرفة كيف يتم النقل الآني (الذي اقترحه أيضًا بينيت وبراسارد7)، لنتخيل مستخدمَين اثنين: أليس، وبوب. بحوزة أليس كيوبت، يمكن أن يكون أيونًا محتجزًا، أو نظامًا كميًّا آخر، وهي ترغب في نقل المعلومات المخزَّنة فيه إلى بوب. ويحدث أن تحصل أليس وبوب على جسيمين "بديلين" – هما من الكيوبتات أيضًا - متشابكين مع بعضهما البعض. إذا كان بإمكان أليس أن تنشئ تشابكًا بين الكيوبت، والجسيم البديل الخاصَّين بها، سيتشابك الكيوبت بالتبعية مع جسيم بوب. وكي تتمكن أليس من فعل ذلك، تقوم بنوع معين من القياس المشترَك للجسيمين بحوزتها، ثم تشارك نتائج عملية القياس تلك (وهي بيانات تقليدية عادية) مع بوب. ولاستكمال عملية النقل الآني، يَستخدِم بوب بعد ذلك تلك المعلومات، للتحكم في الجسيم الخاص به، حتى ينتهي به الأمر ليكون في الحالة نفسها التي كان عليها في الأصل كيوبت أليس.
ولأسباب عملية، لا يهم كيف حصلت أليس وبوب على الجسيمات المتشابكة البديلة. فربما كانت ذرات فردية، تم توصيلها مثلًا في حقيبة أوراق، أو هي فوتونات أُرسلت إلى الاثنين من قِبَل طرف ثالث. (أرسلت إحدى تجارب القمر الصناعي "ميسيوس" في العام الماضي أزواجًا متشابكة من الفوتونات إلى محطتين أرضيتين في الصين، على امتداد مسافة قياسية تجاوزت 1,200 كيلومتر.) وبإمكان أليس وبوب أيضًا شَبْك الكيوبتات التي بحوزتهما، عن طريق إطلاق الفوتونات؛ لتتفاعل في موقع ثالث.
إنّ روعة النقل الآني الكمي تتمثل في كون المعلومات الكمية لا تنتقل بشكل فعلي على امتداد الشبكة. فالفوتونات التي تنتقل بالفعل تُستخدم فقط لإنشاء رابط بين أليس وبوب، حتى يمكن بعد ذلك نقل المعلومات الكمية. وإذا لم يفلح زوج من الفوتونات المتشابكة في إنشاء اتصال، فهناك زوج آخر سوف ينجح في ذلك. ويعني ذلك أن المعلومات الكمية لا تُفقد إذا فُقدت الفوتونات.
انشئ الرابط، وكرر العملية
سوف تكون شبكة الإنترنت الكمية قادرة على إنتاج تشابك عند الطلب بين أي مستخدمَين. ويعتقد الباحثون أن ذلك سوف يتضمن إرسال الفوتونات عبر شبكات الألياف الضوئية، ووصلات الأقمار الصناعية، لكن ربط المستخدِمين البعيدين عن بعضهم سيتطلب تقنية يمكنها توسيع نطاق التشابك، بمعنى نقله من مستخدِم إلى آخر، وعبر نقاط وسيطة.
إحدى الطرق التي يمكن من خلالها لمثل ذلك المُكرِّر الكمي أن يعمل كانت قد اقترحها في عام 2001 لوكين ومعاونوه8. في مخططهم تُستخدم حواسيب كمية صغيرة، يمكنها تخزين الكيوبتات، وإجراء عمليات بسيطة عليها، من أجل تشابك كيوبت في مرحلة أولية مع كيوبت آخر في مرحلة متأخرة. وفي نهاية الأمر، سوف يسفر تكرار تطبيق عملية "تبادل التشابك" تلك على امتداد مسار في إحدى الشبكات عن حدوث تشابك بين أي مستخدمَين اثنين.
في عام 2015، أظهر هانسون ومعاونوه كيفية بناء فرع واحد من شبكة عندما قاموا بالربط بين كيوبتين، تم بناؤهما من شوائب أحادية الذَّرة في بلورات من الماس، وتفصل بينهما مسافة تبلغ 1.3 كيلومتر9. انتقلت الفوتونات المنبعثة من الكيوبتين في اتجاه محطة وسيطة، حيث تفاعلت هناك، ما نتج عنه إنشاء التشابك. "يبين ذلك أنه بإمكان المرء حقًّا إنشاء تشابُك قوي وموثوق بين معالجين متباعدين للمعلومات الكمية"، حسبما يقول سيث لويد، وهو فيزيائي بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في كامبريدج.
ويدرس الباحثون حاليًّا طرقًا أخرى لبناء الكيوبتات والتحكم بها، بما في ذلك استخدام أيونات فردية معلقة في فراغ، وهو نهج ابتكره مونرو وآخرون، إضافة إلى نُظُم تقوم بمزاوجة الذرات والفوتونات التي تتقافز بين مرآتين داخل تجويف.
ومثل نظام الماس الخاص بهانسون، يمكن استخدام هذه الكيوبتات لبناء مُكرِّرات كمية وحواسيب كمية. ولحسن حظ مَن يأملون في زيادة الاتصالات الكمية، ربما يكون توفير متطلبات المُكرِّر الكمي أقل صعوبة من توفير المتطلبات اللازمة لحاسوب كمي مكتمل الأركان. وقد طرح يوردانيس كيرينيديس - وهو باحث في الحوسبة الكمية بجامعة باريس ديديرو - ذلك الرأي في ورشة عمل عن المُكرِّرات الكمية في سيفيلد بالنمسا في سبتمبر الماضي. يقول: "إذا قلت للباحثين التجريبيين إنك بحاجة إلى ألف كيوبت؛ فإنهم سوف يضحكون. أما إذا أخبرتهم أنك تحتاج عشرة فقط؛ فسيضحكون أيضًا، ولكن بدرجة أقل بعض الشيء".
في الوقت الراهن، أصبحت إمكانية إنشاء شبكة إنترنت كمية مشكلة تخص هندسة النظم. فـ"من وجهة نظر تجريبية، أظهر أشخاص العديد من ركائز البناء الأساسية" للشبكات الكمية، حسبما تقول تريسي نورثوب، وهي فيزيائية بجامعة إنسبروك النمساوية، يعمل فريقها على الكيوبتات الموجودة في التجويف، وهو جزء من تحالف الإنترنت الكمي لعموم أوروبا، الذي تعمل وينر منسقة له. وتضيف نورثوب: "لكننا جميعًا نرى مدى صعوبة تجميعها كلها في مكان واحد".
أما عن الأوضاع في الوقت الراهن، فلا يزال تحالف وينر في مرحلة مبكرة للغاية، وما زال يبحث عن تمويل عام، وكذلك عن شركاء من بين الشركات. وفي الوقت ذاته، تمضي شبكة التطبيق الهولندية - التي يقودها هانسون مع اثنين أخرين- قدمًا. وقد عمل هانسون وزملاؤه على تحسين سرعة الأنظمة الخاصة بهم، التي نجحت في تجربة عام 2015 في تشابك 245 زوجًا فقط من الكيوبتات على مدار ما يعادل حوالي 9 أيام. وكان هناك تحد بالغ آخر، هو تحويل الفوتونات بشكل موثوق من الأطوال الموجية المرئية المنبعثة من كيوبتات الماس إلى أطوال موجية تحت حمراء أطول، يمكنها الانتقال بشكل جيد عبر الألياف الضوئية؛ وهذا أمر معقد وصعب، لأن الفوتون الجديد لا يزال يتحتم عليه أن يحمل المعلومات الكمية الخاصة بالفوتون القديم، لكن من دون احتمال استنساخه. وفي وقت سابق من هذا العام، نجح هانسون وزملاؤه في تحقيق ذلك، عن طريق جعل الفوتونات تتفاعل مع شعاع ليزر ذي طول موجي أطول10. ومن شأن هذا النهج أن يسمح للكيوبتات بالارتباط عبر مسافات تبلغ عشرات الكيلومترات عبر الألياف.
والآن، يقوم فريق هانسون ببناء رابط بين دلفت ولاهاي، على مسافة 10 كيلومترات. ويأمل الباحثون بحلول عام 2020 أن يكونوا قد انتهوا من ربط أربع مدن هولندية، مع إنشاء محطة تقوم بدور المُكرِّر الكمي في كل موقع من المواقع. وإذا نجح ذلك المشروع، فسوف يكون بمثابة أول شبكة نقل آني كَمّي حقيقية على مستوى العالم. وتهدف المجموعة إلى إتاحة استخدام المشروع عن بُعْد لأفرقة العمل الأخرى المهتمة بإجراء تجارب متعلقة بالاتصالات الكمية، فيما يشبه كثيرًا التجربة الكمية لشركة «آي. بي. إم» التي تتيح للمستخدمين من أماكن بعيدة إمكانية الوصول إلى حاسب كمي بدائي.
قد تكون الشبكة بمثابة نموذج اختبار للباحثين الذين يأملون في إصلاح بعض عيوب شبكة الإنترنت الحالية، التي ليس أقلها السهولة الشديدة التي يتمكن بها المستخدمون من تزوير أو سرقة الهويات. إنّ "فكرة أنك تستطيع الانضمام إلى شبكة، دون تأكيد الهوية، تمثل مشكلة منذ البداية"، وذلك حسبما صرح روبرت بروبرج، وهو مهندس شبكات يعمل لدى شركة «سيسكو» CISCO، عملاق معدات الاتصالات السلكية واللاسلكية، في اجتماع سيفيلد. وقد اقترحت وينر وآخرون تقنيات كمية، من شأنها أن تتيح للمستخدمين إثبات هويتهم، عن طريق تأكيد أنهم يمتلكون الرمز السري الصحيح (وهو سلسلة من البتَّات التقليدية)، دون إرساله مطلقًا، بل يقوم المستخدم والخادم باستخدام الكود؛ لإنشاء تسلسل من الكيوبتات، وإرساله إلى "صندوق أسود" في المنتصف. ويمكن لذلك الصندوق الأسود فيما بعد - الذي ربما يكون صرافًا آليًّا مثلًا - مقارنة التسلسلين؛ لمعرفة ما إذا كانا متطابقين، أم لا، دون أن يعرف مطلقًا الكود الخاص بهما.
بعض الباحثين يحذِّر من المبالغة في الترويج للمدى الذي يُحتمل أن تصل إليه التقنية. يقول نيكولاس جيسين، وهو فيزيائي بجامعة جنيف في سويسرا، ومؤسس مشارك لشركة «آي. دي. كوانتيك»: "إنّ شبكة الإنترنت الحالية لن تكون أبدًا شبكة كمية بالكامل، كما إن أجهزة الحاسوب لن تصبح أبدًا كمية بالكامل". وربما يكون من الممكن كذلك القيام بكثير من الأشياء، التي يأمل الناس في إنجازها عن طريق الشبكات الكمية، باستخدام التقنيات الأكثر تقليدية. يقول نوربرت لوتكنهاوس، وهو فيزيائي بجامعة واترلو في كندا، ويساعد حاليًّا في تطوير المعايير الخاصة بشبكة الإنترنت الكمية المستقبلية: "أحيانًا، قد يبدو شيء ما فكرة صعبة المنال في البداية، ثم يتضح أنه سهل التحقيق، من دون التأثير الكمي".
سوف نعرف مع الوقت ما إذا كانت البشائر التي تحملها شبكة الإنترنت الكمية سوف تتحقق، أم لا. فعلى قَدْر عِلْمنا، فإن النقل الآني ظاهرة لا تحدث في الطبيعة، رغم أنها ممكنة من الناحية الفيزيائية، كما يقول زيلينجر، الذي يضيف: "لذا، فإن ذلك الأمر جديد تمامًا على البشرية، وربما يستغرق بعض الوقت".
إن إلمام وينر بكل من الفيزياء وأمن الشبكات جعل منها نقطة مرجعية للأشخاص في هذا المجال. وبعد أن أنجزت الكثير من العمل في نظرية الكَمّ الأساسية، ترغب وينر في استغلال هذه الفرصة؛ لبلورة تلك الشبكات المستقبلية. تقول: "بالنسبة لي، يمثل الأمر حلقة كاملة حقًّا".

References

  1. Bouwmeester, D. et al. Nature 390, 575–579 (1997).  | article
  2. Wiesner, S. SIGACT News 15, 78–88 (1983).  | article
  3. Bennett, C. H. & Brassard, G. Proc. IEEE Int. Conf. Comput. Syst. Signal Process. 1, 175–179 (1984).
  4. Bennett, C. H. & Brassard, G. SIGACT News 20, 78–80 (1989).  | article
  5. Liao, S.-K. et al. Phys. Rev. Lett. 120, 030501 (2018).  | article
  6. Moehring, D. L. et al. Nature 449, 68–71 (2007). | article
  7. Bennett, C. H. et al. Phys. Rev. Lett. 70, 1895–1899 (1993).  | article
  8. Duan, L.-M., Lukin, M. D., Cirac, J. I. & Zoller, P. Nature 414, 413–418 (2001).  | article
  9. Hensen, B. et al. Nature 526, 682–686 (2015).  | article
  10. Dréau, A., Tcheborateva, A., El Mahdaoui, A., Bonato, C. & Hanson, R. Preprint at https://arxiv.org/abs/1801.03304 (2018). 

تعليقات